C:\Documents and Settings\Ali\Local Settings\Temporary Internet Files\Content.IE5\7IT7JALU\film300[1].jpgبقلم: علي حسين باكير
اتصفح الأخبار في يوم عادي كغيره من الايام, و اذ بي أقرا "ايران تستنكر بشدّة فيلم 300", "ايران تندد بفلم 300..", "ايران تدعو الى وقف بث فيلم 300.."....الخ.
لم أكن بعد قد سمعت عن الفيلم, دفعني فضولي الى الاهتمام بالموضوع كون ايران تقع في دائرة اهتماماتي, كما زاد الاستنكار الايراني الشديد من اهتمامي في رؤية الفيلم و متابعته لمعرفة السبب.
اجريت اولا بعض البحث السريع لمعرفة ماهية الفيلم و قصّته من الناحية التاريخية ليكون لديّ خلفية جيدة عند مشاهدته "و هو ما سنعود اليه في سياق المقال", ثمّ ذهبت ابحث عن الفيلم لاحضره على سوّاقة "دي في دي" كي يتسنى لي متابتعه بدقّة من جهة و لأنه لم ينزل بعد في السينما من جهة اخرى.
قصّة الفيلم الروائية:
تدور قصة الفيلم حول معركة "ثرموبولي" أو "ثيرموبيلاي" التي خاضها الملك "ليونيدس" ملك اسبرطة و300 من جنوده ضد ملك الفرس كسرى وجيشه الضخم في حدود عام 480 قبل الميلاد. و يستند الفيلم الى القصّة المصورّة للروائي "فرانك ميلر" ويقوم ببطولته الممثل الاسكتلندي "جيرارد باتلر" (الملك ليونيدس) والممثل البرازيلي" رودريجو سانتورو".
من ناحية الاخراج و الانتاج لم يشدني الفيلم كما كان الأمر بالنسبة الى فيلم "تروي" أو "كينجدوم اوف هافين", لم اشعر بضخامته أو بسحره. و قد اتّجه الفيلم للتركيز على شخصية "الاسبرطي" التي يمكن تشبيهها بشخصية الفرد الأفغاني من ناحية القوة و البأس و الخشونة و المجتمع العسكري حيث كان الاسبرطيون يأخذون الولد في عمر السابعة لتلقينه اساسيات القتال حتى يصبح في نخبة المقاتلين عندما يكبر. و قد اغرق الفيلم في شخصية الاسبرطي لدرجة كبيرة جدا على الرغم من انّه كان بامكانه التركيز على الاستراتيجيات العسكرية او الحربية التي اتّبعها الملك ليونيدس و جنوده الـ300, لكن الفيلم فضّل التركيز على شخصية "الاسبرطي".
و قد اثار شكل الملك كسرى و ملبسه (خاصة الطوق في عنقه الذي اعرف انه عادة افريقية و ليست فارسية بالاضافة الى كونه حليقا تماما) بالإضافة إلى شكل الملك ليونيدس بعض الشكوك لدي حول صحّة ذلك, و قد سبق و رأيت اخطاءا مماثلة في طريقة تجسيد الشخصية او الملابس التي تستخدم و الأسلحة و ما الى ذلك في أفلام أخرى –الملابس المستخدمة مثلا في الفيلم العربي "خالد بن الوليد" الأخير من شكل الخوذ و الدروع, و التي لم يستعملها المسلمون الاّ في وقت متأخر و ليس على ايام الرسول و الصحابة. اذ غالبا ما يقع ذلك امّا لجهل المخرج و طاقم العمل "في الحالة الغربية" و امّا "تجاهلا او لمفتضيات العمل" في حالات اخرى.
لقد ادى مزج الهزل في العديد من المشاهد مع مقاطع الجدّ الى خلل في طبيعة النظرة الى الفيلم "هل يرودوه فيلما اسطوريا ام يريدوه تجسيدا لواقعة و معركة حقيقية ام نقلا للتاريخ القديم الى اليوم اام ماذا!! ادى هذا الى التباس خاصّة حين تمّ الاكثرا من مدخلات الحقيقة مع الخيال و المرح مع الخطر و الهزل مع الجد حيث تمّ جمع الأضداد في مشهد واحد !!. لقد احتوى الفيلم ايضا على بعض الوحوش و المسوخ و هو الأمر الذي ازعجني كمشاهد و لم يرتق الى مستوى الحدث من الناحية التاريخية, لكني عدت و تفهمت ذلك كون الفيلم يستند بالأساس الى "قصة روائية" و ليس الى "مستند تاريخي" و هو ما يعني ضرورة وجود مبالغات صورية او تصرفات خارقة نظرا لما تحويه الروايات من هذه الامور في الغالب لشد القارئ و مزج الحقيقة مع الخيال و هو أمر اعتاد الفرس و اليونان على اتّباعه سابقا.
ينتهي الفيلم بمقتل القائد ليونيدس و جنوده الـ300 (باستثناء احدهم) بعد معارك ضارية خاضوها ضد جيش كسرى الفارسي و حرسه الخاص "الخالدون", فيرجع الاسبرطي الوحيد الذي بقي على قيد الحياة لقيادة الجيش اليوناني فيما بعد لصد الهجوم الفارسي و هنا ينتهي الفيلم باختصار.
قصة الفيلم من الناحية التاريخية:
القصة التاريخية الحقيقية للفيلم مثيرة جدا و كانت ستكون اكثر ضخامة فيما لو تمّ الاعتماد عليها في تصوير الفيلم. لقد مني ملك الملوك الفارسي "داريوش" بهزيمة أمام اليونانيين في معركة "ماراثون" في عام 490 ق.م, في محاولته للسيطرة عليها و ضمها الى ممتلكات الامبراطورية الفارسية, و على الرغم من ذلك فقد استطاع الفرس السيطرة على اجزاء واسعة من العالم و لم يكن باستطاعة "داريوش" الثأر لهزيمته امام اليونانيين اذ قتل في معركة فيما بعد, و خلفه ابنه ملك الملوك "احشورش" -و هو الملك الفارسي الموجود في فيلم 300- الذي قرّر الثأر لهزيمة أبيه و للفرس امام "اليونان الصغيرة", فأعدّ جيشا هائلا و ضخما قوامه ما بين 100 و 150 ألف جندي بالاضافة الى 600 سفينة بحرية و قرّر التوجه به لاحتلال اليونان. و نقل عن "احشورش" قوله في هذا الاطار في رسالة الي حكام ولاياته و اقاليمه:
(آمركم بالحملة علي بلاد اليونان للثأر من الاثينيين الذين اساؤا الي بلاد فارس و تجرؤا على جرحي و جرح والدي).
اليونانيين كانوا أقّل عددا و اضعف من ناحية التحضيرات و التجهيزات و التدريب و لكن كان الى جانبهم عنصرين مهمين يعملان لصالحهم و يعرقلان مهمة كسرى الفارسي:
-العامل الاول: يجب على جيوش "احشورش" المرور في المياه للوصول الى اليونان التي كانت تتألف من مدن عديدة, و هو امر بالغ الصعوبة بالنسبة الى جيش ضخم لاسينا و انّ الطريق الرئيسية البحرية تحتوي على مضيق ضيّق لا يتّسع لأكثر من سفينتين او نحوه.
- العامل الثاني: حاجة الجيش الى امدادات لوجستية هائلة حينما يصل الى اليابسة اليونانية و هو ما سيؤدي الى هلاك الجيش من تلقاء نفسه في حال عدم توفرها نظرا لضخم حجمه.
لمواجهة الخطر الفارسي الداهم, اتّحدت مدينة أثينا و مدينة اسبارطة و 29 مدينة اخرى, فيما فضّلت بعض المدن في شمال اليونان الاستسلام خوفا من الدمار و لأن المدن القوية الواقعة في الجنوب مثل أثينا و اسبرطة قررت ان لا تواجه الجيش الفارسي في الشمال.
كانت اثينا تعتقد انّ هزيمة الفرس ممكنة عبر المياه و عبر المضائق حيث لن يكون هناك اهمية لعدد الأسطول الفارسي طالما انّ السفن ستمر واحدة تلو الاخرى او اثنتين الى جانب بعضهما, فذلك سيجعل الفرس في مأزق, لكن المشكلة انّ اليونانيين كانوا بحاجة الى الوقت لبناء اسطول مائي قوي من 300 سفينة كما انّ جيشهم البري البالغ عدده 10 آلاف –يمكن ان يبلغ 50 ألف جندي عند التعبئة العامة-غير حاضر و غير جاهز و غير مدرّب مقارنة بالجيش الفارسي, لذلك اقترح الاسبرطيون ان يضحوّا بـ 300 جندي من خيرة رجالهم, و كان من المعروف انّ الاسبرطي رجل حرب و هو اكثر كفاءة من جميع اليونانيين, و الهدف مقابلة جيش "احشورش" الفارسي الجرّار عند ممر "ثيرموبيلاي" الضيق-الذي اصبحت المعركة تعرف باسمه- و ذلك من اجل تأخير تقدم الجيش الفارسي قدر المستطاع و الحد من فعالية اعداده الضخمة, ريثما يكون اليونانيون قد حضّروا الاسطول البحري و الجيش البري لملاقاة الفرس في معركة حاسمة.